26 سبتمبر 2014

كما عودنا نجيب محفوظ في عديد من رواياته .. مرآة عاكسة لمجتمع الحارة المصري و آديب كرس قلمه لقاء مجتمعه ذاك .. فمحفوظ اختار الحارة مادة لكتاباته، و لم ينفك أغلب ما كتب عن جوها العجيب .. فبرع قلمه في حفظ طلاسمها و فك شفرتها أشد البراعة، ليخرج لنا تحفة من تحف الأدب العربي نظير " زقاق المدق " .. ف " زقاق المدق " ذاك أكثر روايات محفوظ انغماسا في الواقعية و آكثرها تصويرا للأنسان بمكونيه الإثنين .. الخير و الشر .. الطموح و الطمع .. الحب و الكراهية .. الإروس و غريزة التدمير. صورة قولبها في إطار الحارة الفقير المنغمس في فقره حيث تجتمع كل الصنوف من الناس .. فتلقى عباس الحلو الخير دمث الأخلاق .. و حميدة اللعوب المتطلعة للثراء الداعرة لقاءه .. و عم كامل الطيب الساذج في طيبوبته .. و المعلم كرشة الشاذ أشد الشذوذ عن الطبيعة .. و رضوان الحسيني الذي لاقى من الحياة أشر الأقدار لكن لم ينفك عن حبها رغم ما ألحقت به .. فأولاء هم بحق رموز الخير و الشر، ليس في الحارة فقط .. بل في المجتمع الإنساني أجمع. شخوص بطشت بهم أيدي الأقدار العابثة و استطارت في بطشها فانتهت بأغلبهم إلى نهايات مأساوية .. فعبثا قتل عباس الحلو، و كذلك شوه وجه حميدة.
و إن تأمل الواحد فينا في النهايتين اتضحت له جليا رمزيتهما ( كما عودنا محفوظ على ذلك) فموت عباس الحلو ـ رمز الخير و الطيبوبة ـ و تشوه وجه حميدة ـ رمز الطمع المريض و الشر المستطير ـ و تماثلها للشفاء بعد ذلك لأمر يحيلنا إلى تفسير واحد و هو هزيمة الخير في صراعه مع الشر .. بل و " موته " .. فهل حقا الدنيا ملؤها الشرور ؟ و هل حقا خيرها أضعف من شرها، و مآل ذاك الانتكاس ؟ .. لا أظن .. فالخير و الشر هما كفتا الميزان .. ذاك الميزان الذي تقوم عليه الأرض و بدونه لا تستقيم .. فالشر برهان وجود الخير .. و كذلك الخير برهان وجود الشر، و إنما صراعهما صراع أزلي لا يكون فيه غالب و لا مغلوب .. و لا يظفر أحدهما فيه بانتصار. 
فهل عنى محفوظ حقا ما قلناه ؟ .. علم ذلك عند الله ..

0 التعليقات